كوب « حنان »

طلعت شناعة
لا أعرف اسمه ولا مَنْ هو.
أراه كل يوم وتحديدا في ساعات الليل والمساء واقفا أمام المخبز، ينظّم وقوف السيارات أمام المحال المجاورة.
كل مرة أسعى للاقتراب منه، بعد ان تأملته لعدة أيام.
كنت أراه بأيام البرد والشتاء والصيف الحار وكل الفصول ..
ففي ايام البرد الشديد، وألامطار الغزيرة ، كان الرجل يتلفّع بطاقية ولفحة وبيده كوب شاي لا يتوقف عن رشفه.
وفي نهار الصيف يغطي رأسه بطاقة ربنا إليه ” ضربة شمس ” ..
يتحدث مع الزبائن بمودة شديدة.
هو خجول الى حدّ كبير. وأيضا قنوع بما قسم الله له.
طبعا سألتُ عنه. وتخيّلتُ أنه ربّ أُسرة فقيرة. وبسيطة ومستورة. لكنه أبى الجلوس في بيته وقام يعمل أي شيء حتى لو كانت الوظيفة « منظّم اصطفاف سيارات». الزبائن يناولونه ما تيسّر من النقود، وهو لا يتوقف عن شكر الله رافعا يديه الى السماء داعيا لكل من يمدّه بشيء من المال.
سألت عن الكوب الذي لا يفارق يده. وذات مرّة سمعتُ رجلا من أصحاب المحال يمازحه قائلا: الله يخليلك «حنان». وعلمت أن «حنان» قد تكون زوجته أو ابنته. وهي التي تُعدّ له «كوب الشاي» الساخن، وأيضا ، « سفرطاس» الطعام اليسير. بينما خصص له صاحب المخبز عدة أرغفة يوميا وأُجرة مقابل تيسير الأمور على الزبائن بترتيب وقوفهم، ومساعدتهم في الخروج الآمن من المكان.
لا أخفيكم أنني أحسده على راحة البال التي يتمتع بها. رجل فقير ماديا ، لكنه غنيّ ببساطته وقناعته. يرشف شيئا من الشاي ويشعر بالدفء يسري في أوردته وشرايينه.
وشعاره « لقمة هنيّة ولا مائدة مع سمّة البَدن».
لم أُحاول إزعاجه بفضولي. تأملته من بعيد.
أمس …. خرجتُ أتزوّد بالخبز . لقيته يشرب من ذات « الكوب» ووجهه يضجّ بابتسامة غالية.
أظن أنه سعيد أكثر من الكائنات التي توقف سياراتها الفخمة، بينما ملامحهم لا تعرف القناعة.
رشفة أُخرى من كوب» حنان»، ونظرة الى السماء وتمتمة تشبه الدعاء.
محظوظة تلك المرأة التي ربما كان اسمها «حنان» ولها من اسمها نصيب.
محظوظ هذا الرجل الذي يعلّمنا كل يوم درسًا في « البساطة وراحة البال »!!
.. أُريد حُبّاً و « حنان….اً «